الاثنين، 11 مارس 2013

المَوّت




مَشّهد سريع بلا صور
غرفتى الخاويّة..سجائرى و أكواب القهوة الفارغة المتراكمة
حِبال مجدولة...
مربوطة بإحكام فى سقف الغُرفة
متدلية و كأنها اخر رؤياى
تتأرجح و كأنها تُنادينى

أحدِّق بها ملياً
أكثر و اكثر
أتحرك من مضجعى..
أنهض واقفاً
كالبُنيان
أتقدم بخطوة نحو الحِبال
ترتفع يدى بهدوء و خوف
لتلمسُها

افاجئ بأن لا وجود لها
سوى فى عقلى المريض

_____________________________
موتٍ - عن اللاشئ - خالد شيرازى

السبت، 9 مارس 2013

بيت العاهِرات - الجزء الأول



الجزء الأول : الحانة


مع دقات الثانية صباحاً فى إحدى ليالى كانون الثانى..
أجوب أروقة شوارع مدينتى المظلمة
مترجلاً...
الأرض مبتلة من أثر الأمطار التى هدأت لتوها
مصباح هُناك بعيد..لكن ضيائه تكفى لآرى أمام خطواتى القصيرة
...
مررت بجانب منزل..يعج بالضجيج و الصخب الحذِر
انواره قوية إلى حد ما..
له باب كبير خشبى ذو نقوش زخرفية جميلة
صوت فى عقلى يدوى..!!
(حانة هذه أو دار بغاء أو بيتٌ للمقامرة...لا اعرف)
راودنى شيطانى للدخول..
الفضول يأكل و يلتهم أفكارى
قررت الدخول
...
خطوة تسبق الآخرى
قابلتنى فى الرواق الأمامى..إمرأة سمينة
تضع من مساحيق التجميل الكثير
إلتفت حولى
مالت برأسها إلى أذُنى
تهمس : زيارتَك الأولى لنا...ممممم حسبما أعتقد
خلعت معطفى الأسود ، و واصلت حديثها
بصوت مرتف قليلاً قائلة : أتود التحدث و نحن نحتسى كأساً ، أصنعه لكَ بيدى ؟ أم إنك متلهِف للقاء إحداهُن ؟
علمتُ وقتها إنه منزل للعاهِرات ، و بالطبع تلك هى صاحبة المنزل ، شككت فيها من رائِحتها.
جاوبت بصوت متقطع : أود شراباً أولاً...البرد قارِس.
علقت هى معطفى فى مكانٍ ما خلف باب المنزل ، شبكَت ذراعِها بذراعى ، تشُدنى للأمام فى خطوات ثابتة و إصرار قائِلة : مِن هُنا.
...
المكان بالداخل فسيح...مليئ بالطاولات الخشبية ذات المفارِش الحمراء الحريريّة
سكارى هنا و هناك ، خادم للزبائِن...درج على اليسار ، نساء فى كُل مكان
موشومات ، يدخِنّ السجائِر و بيد كل من هُنَ كأس خمر...
جلست مع تلك المرأة على طاولة قريبة من الدرج
سحبتُ لها مِقعَد كى تجلس
و جلستُ أمامها..
الدرج خلفى..
جاء النادل مُسرعاً بعدما أشارت له السيدة الحمقاء بيدها
وضع مِنديل أمامى و آخر أمامها..
قلت لنفسى : لعلهم يبتاعون اللاشئ لجنى المال بالحيلة و النصب ، أو السرقة!!

قَلَبَ الكأس الذى أمامى ليصحح وضعهُ..
استدار للبار و استدار لنا مرة آخرى ليضع طبق من المقرمشات على الطاولة
و سألنى : ما نوع خمرُكَ سيدى ؟
قلت له : لتعرف ماذا تحتسى السيدة اولاً..
قالت و هى تضحك بصوت مرتفع : أفتقد ذلك النوع الأرستقراطى من رجال مدينتنا 
تابعت حديثها قائِلة : هو يعرف ما أحتسيهِ
ألتفت لى مرة آخرى ، قلت له : جِعَةْ.
.....

يُتبع

خالد شيرازى

الجمعة، 8 مارس 2013

مشّهَد سَريِع

 المَشّهَد : حُجرتى الخاوية ، مكتبى الخشبى القديم ، دفتر تدوينى و قلمى الأزرق
أكواب آثر القهوة
أعقاب سجائرى متكاثرة


نظرت إلى مدونتى الإلكترونية التى تحمل مُسمى مسرحية كتبها أبى قبل وفاته بعِقدٍ على ما أتذكر
و نظرت لما تبع إسمها ، عنوان تدوينتى الأخيرة (حبيبتى) و التى دونتُها مؤخراً
تأمل العنوانين المتتابعين
أشعلتُ سيجارتى
أنفُث دُخانها
أحدق أكثر بالعوان الكامل
نظرتى تبعث الشك و الريبة
ثم تواردت أفكار إلى عقلى استوردها من العنوان الكامل هذا
و راحت تُترجم الأفكار لأصوات بداخِل عقلى المُندَهِش
(نقطة الضعف : حبيبتى)
عجباً
أهى فعلاً نقطة ضعفى ؟!! التى قد اترك أى شئ لأبقى معها
و لأكون لها
بجوارِها هى ؟ أم تلك مجرد صدفة ؟
أنتبهت لإصبعى الذى لمسه لهيب سيجارتى
السيجارة أنتهت و أحترق التبغُ بها
فى بُرهة
على أى حال
فهو ليس مُجرد عِنوان لتدوينة

أتكأتُ بساعدى على مكتبى
اغمضتُ عينى
باحثاً عن محبوبتى البعيدة
التى كانت...ولازالت
أجمل إمرأة رأيتُها بحياتى

مُدَوِّن عاشِق - خالد شيرازى

حبيبتى



حبيبتى كالأيام
جميلة متوالية تباعاً
بها ثورة و تزمجِر
لكن حين تحتضنها ، تحتويها و تُقبِل عيناها
تسكُن
تهدأ

حبيبتى غريبة الأطوار
عيناها..وجنيتها..خصلات شعرها المتطايرة
حديثها
طبائِعها
لمستها لى حين تغفو عيناى
حين يمتد ذراعِها لى
بيدها..التى اُقبلها كل ليلة
بإبتسامتها الحنون

حبيبتى حين غابَت
بدت الدنيا و كأنها فوهة بُركان خامِد
لا حركة به
إنفجر أول مرة حين تذكرتُها
و الثانية مع معة عينى الاولى عليها
و الثالثة حين رأيت تميمة يدها فى يدى
أوراقُها المتناثرة على مكتبى
و الرابعة حين إستمعتُ لصوتها مرة آخرى
و الخامسة حين تقابلنا
و هدأ البركان
و صارت ساحته مروج خضراء
و كانت مشيئة الله أن يكون هُناك نصفى قلب
كل نصف لدى إحدانا

حبيبتى كالصلاة لكى يعُم الرخاء
صلاة للمطر
واحدة للزرع
و آخرى التى اتولها حين ارتشف من فنجان قهوتى رشفة
أدخن سيجارتى و حين تدمع عيناى
كالدواء للعليل
كالسرعة التى بيدى حين أدوّن كتاباتى

حبيبتى وشم على عقلى
ارتجله فى شعر
استنشفه فى نسمات هواء الصباح
حبيبتى...ثورة
تثور فى قلبى كل يوم
لا رابط مجتمعى بيننا
ولا رابط عرقى
فكلانا...يعشق الآخر
للـ لاشئ

مُدوِّن عاشِق - خالد شيرازى

العارية و الصليب



تبدأ القصة حيث الصليب على قبرها
منقوش على شاهِد القبر
حيث احبته كرمز للإله كان...أو لآلام المسيح فى الأرض
لم تكن تعلم نهاية لعِشقها هذا
كان الصليب معها دوماً
فى حقيبتها
حول عنُقِها
موشوم على يدها
على جسدها كثيراً

تسبح له كل يوم فى مضجعها
تنظر له مرسوماً على فنجان قهوتها
على ملابسها
بجانب وسادتها
على جدران الغرفة المظلمة
مُنير
مضيئ
يومِض بنور الله 

تستنجِد به فى أزمة أو مِحنة
تبتسم له كرضيعها
حين تفرح به...أو له
تغفو بجانبهِ
تأخذه أينما تذهب
وقتما تشاء
وحدها كانت أو برفقة أحدهم

و فى ليلتها التى تسبق الأخيرة
و هى تحتضر على فراشها
طلبت منه
أن يُدفن معها فى قبرها
و تكون عارية
كى يكون هو الشاهِد الأوحد على عُريّها
و عذريتها التى لم تُدنس
فى قبرٍ مظلم
يُنيرهُ هو كما أنار حياتُها

و بعدما رحلت
و دخلت رأسها القبر
و أغلقت أبوابه موصِدةً عليها
و هى...تنعم برفقته
بين ذراعيها يخلد
حتى تبقى عظامها تراب
و يتحاكى البعض بقصتها الغامضة
عن عِشقها للصليب
و عِشق الصليب لها

_________________________
عن اللاشئ - خالد شيرازى